top of page
الرسـول في المدينـة و تأسيـس الدولـة الإسلامية
 
Iصبحت المدينة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها في السادس عشر من ربيع الأول معقل الإسلام ومشعل الهداية ومنطلق الدعوة إلى الله وعندما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان يسكنها المهاجرون والأنصار واليهود، فكان على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبدأ في وضع الأسس التي تجعل من هذه الجماعات مجتمعًا قويًا متحدًا على أسس إسلامية ومبادئ دينية؛ فقام الرسول بالخطوات الآتية تحقيقًا لهذه الغاية أولاً : بناء المسجد – أي صلة الأمة بالله ثانيًا: المؤاخاة – أي صلة الأمة المسلمة بعضها بالبعض الأخر ثالثًا: المعاهدة بين المسلمين و اليهود – أي صلة الأمة بالأجانب عنها ممن لا يدينون بدينها
أولاً: بنـاء مسجـد المدينـة

 

كان أول ما حرص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة هو بناء المسجد لتظهر فيه شعائر الإسلام التي طالما حوربت، ولتقام فيه الصلوات التي تربط المرء برب العالمين ولم يكن هدف الرسول صلى الله عليه وسلم إيجاد مكان للعبادة فقط؛ فالدين الإسلامي يجعل الأرض كلها مسجدًا للمسلمين, ولكن مهمة المسجد كانت أعمق من هذا، لقد أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبني بيتًا لله وبيتا لجميع المسلمين يجتمعون فيه للعبادة والمشاورة فيما يهم أمر الإسلام والدولة الإسلامية, ويتخذون فيه قراراتهم, ويناقشون فيه مشاكلهم, ويستقبلون فيه وفود القبائل وسفراء الملوك و الأمراء من هنا وهناك, وبأسلوب العصر الحديث اتخذ مقرًا للحكومة بالمدينة، فكان المسجد بهذا الوضع أشبه بمدرسة يتعلم فيها المسلمون, وتمتزج فيها نفوسهم وعقلياتهم
وقد اشترى النبي صلى الله عليه وسلم أرض المسجد من الغلامين- صاحبي المربد- الذي أناخت راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده كما ذكرنا, وأبى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما هدية، وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بناء المسجد، فكان ينقل اللبن والحجارة بنفسه، وافتدى به المسلمون وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول

ثانيًا: المؤاخــاة

 

وكانت الخطوة التالية هي صلة الأمة بعضها بالبعض الأخر، وتمثل ذلك في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار, وإحلال رابطة الإخاء ورابطة الدين محل رابطة القبيلة والعصبية القبلية مصداقًا لقوله تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )وفيها قرب بين بعض قبائل المهاجرين والبعض الأخر, كما قرب بين الأوس والخزرج؛ إذ كانت الحروب بينهما قبل الإسلام قوية, وليس هذا فحسب بل آخى بين العرب والموالي فمثلاً آخى بين حمزة عمه وزيد بن حارثة وبين أبي الدرداء وسلمان الفارسي
وكانت نتيجة ذلك أن تكونت "أسرة إسلامية" واحدة فلا حمية إلا للإسلام، وسقطت فوارق النسب واللون والوطن وتحققت وحدة المدينة وضرب المسلمون المثل الأعلى في التعاون والاتحاد, يقول ابن إسحاق: وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فقال عليه السلام:"تآخوا في الله أخوين أخوين ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال هذا أخي"
وكان الأنصار يتسابقون في مؤاخاة المهاجرين حتى كان الأمر يؤول إلى الاقتراع بل الإيثار، فكان من الأنصار السماحة والإيثار ومن المهاجرين التعفف وعزة النفس والنبل
روى البخاري أنهم لما قدموا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، فقال سعد لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالاً فاقسم مالي نصفين ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها فإذا انقضت عدتها فتزوجها, قال عبد الرحمن ابن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع فما انقلب إلا ومعه فضل من إقط وسمن ثم تابع الغدو، ثم جاء يومًا وبه أثر صفرة(أي زينة) فقال النبي: "مهيم؟ "(سؤال عن حاله)قال:تزوجت, قال:"كم سقت إليها؟"، قال: نواة من ذهب
يقول بن القيم: "وكان الذين آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم تسعين رجلاً، نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار آخى بينهم على المواساة, ويتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين وقعة بدر، فلما نزل قول الله تعالى:(  وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ ) رد التوارث إلى الرحم دون عقد الأخوة

ثالثًا: المعاهدة بين المسلمين و اليهود

 

أما الأمر الثالث وهو صلة الأمة بالأجانب عنها الذين لا يدينون بدينها، فان الرسول صلى الله عليه وسلم قبل عن طيب خاطر وجودهم, وعقد الرسول صلى الله عليه وسلم معاهدة مع اليهود الموجودين في المدينة، أقرهم فيها على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط عليهم, وكان أساس هذه المعاهدة الأخوة في السلم, والدفاع عن المدينة وقت الحرب, والتعاون التام بين الفريقين إذا نزلت شدة بأحدهما أو كليهما
ولكن اليهود لم يحافظوا على الوفاء بعهدهم فاضطر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى حربهم وإجلائهم عن المدينة 

قصة نسج العنكبوت

هناك العديد من الروايات في السيرة النبوية ضعيفة مثل قصة الحمامة والعنكبوت على باب الغار في الهجرة النبوية. فهل يستأنس بهذه القصص ؟؟الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فقصة نسج العنكبوت على الغار مروية من طرق، وقد ضعفها بعض المحدثين وحسنها بعضهم، وممن ضعفها الألباني رحمه الله، وممن حسنها الحافظان ابن كثير وابن حجر رحمهما الله.قال الحافظ في الفتح: وَذكر أَحْمد من حَدِيث ابن عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا الْآيَةَ. قَالَ تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ يُرِيدُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلِ اقْتُلُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ أَخْرِجُوهُ. فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ فَبَاتَ عَلِيٌّ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا يَحْسِبُونَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي يَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَقُومُ فَيَفْعَلُونَ بِهِ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَرَأَوْا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ فَقَالُوا أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي فاقتصوا أَثَرَهُ. فَلِمَا بَلَغُوا الْجَبَلَ اخْتَلَطَ عَلَيْهِمْ فَصَعِدُوا الْجَبَلَ فَمَرُّوا بِالْغَارِ فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ العنكبوت فَقَالُوا لَو دخل هَا هُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ. فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْحَجِّ بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ وَصَفَرَ، ثُمَّ إِنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَبَاتَ عَلِيٌّ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَرِّي عَنْهُ وَبَاتَتْ قُرَيْشٌ يَخْتَلِفُونَ وَيَأْتَمِرُونَ أَيُّهُمْ يَهْجِمُ عَلَى صَاحِبِ الْفِرَاشِ فَيُوثِقُهُ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا إِذَا هُمْ بِعَلِيٍّ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَخَرَجُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَهُ وَفِي مُسْنَدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَرْوَزِيِّ شَيْخِ النَّسَائِيِّ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ فِي قِصَّةِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ نَحْوَهُ. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوا فِي أَثَرِهِمَا قَائِفَيْنِ أَحَدُهُمَا كُرْزُ بْنُ عَلْقَمَةَ فَرَأَى كُرْزُ بْنُ عَلْقَمَة على الْغَار نسج العنكبوت فَقَالَ هَا هُنَا انْقَطَعَ الْأَثَرُ. انتهى كلام الحافظ رحمه الله.وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله عقب إيراد الحديث في قصة نسج العنكبوت من مسند أحمد وتقدم ذكره في كلام ابن حجر ما عبارته: وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، وَهُوَ مِنْ أَجْوَدِ مَا رُوِيَ فِي قِصَّةِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى فَمِ الْغَارِ، وَذَلِكَ مِنْ حِمَايَةِ اللَّهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. انتهى.وأما خبر بيض الحمامتين فلم نر من نص على ثبوته من العلماء، وإذا كان بعض أكابر العلماء قد حسن قصة نسج العنكبوت كما عرفت فلا نرى حرجا في روايتها والتحديث بها، ثم إن عادة أهل العلم جرت بالتسهيل في باب المغازي والفضائل ونحوها ما لا يسهلون في باب الأحكام، وكلامهم في هذا كثير جدا، ومن ذلك ما قال الإمام أحمد في ابن إسحاق: يكتب عنه المغازي وشبهها .وقال ابن معين في زيادٍ البكائي : لا بأس في المغازي ، وأما في غيرها فلا.وقد نقل في الكفاية عن الإمام أحمد قوله: إذا روينا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشدَّدنا في الأسانيد، وإذا روينا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضائل الأعمال، وما لا يضع حكمًا أو يرفعه تساهلنا في الأسانيد. انتهى.والله أعلم.
bottom of page